دعنى أحلم



                                       دعنى أحلم   

          http://www.girls-ly.com/vb/storeimg/img_girls-ly1384672968_496.jpg
                 
       


أستقبل الرصيف القطار في ميعاده المحدد وهرول المنتظرين أمامه للدلوف إلى داخله، الجميع يبحث عن مكانه،أطلق القطار صفارته معلنًا بداية رحلة جديدة من عروس البحر الأسكندرية إلى قاهرة المعز.
جلس أيمن مستلقيًا على كرسيه وأغمض عينيه ملتمسًا بعض الراحة بعد ليلة سهر مضنية قضاها في عمله،
يمر الوقت ثقيلاً على ركاب القطار، وقفت عقارب الساعة لا تتحرك، الجميع يبحث عن شيء يقتل به هذا الملل، حاول أيمن أن يبحث بدوره عن شىيء يقضي على هذا الملل المقيت، تلفت حوله فوقعت عينه على جارته الحسناء، كيف لم ينتبه لها؟!
فتاه جميلة في أوائل الثلاثينات، وقد أمسكت بمجلة نسائية تتصفح صفحاتها، وجد الشاب الثلاثينى إن أفضل طريقة لقتل هذا الوقت هو الآهتمام بجارته الحسناء، تنبهت الفتاة لنظرات جارها فأربكه تنبهها إليه بشدة، فحاول أن يبدأ حديث من أى نوع ليخفي خجله.
-          هذه المجلة شيقة للغاية فشقيقتي حريصة على أقتنائها .
-          أجل، و لكنها لا تهم إلا النساء فقط
-          معذرة، لم أقصد أية نية سوء، و كل ما في الأمر إنها لفتت نظري
فسألته في خبث وابتسامة على شفتيها
-       من ياترى لفت نظرك ؟
فأجابها وابتسامة خبيثة على شفتيه
-   أنستي، معذرة، الرحلة طويلة وإنه شيء طبيعي أن ينظر المرء في هذه الرحلةإلى كل ما حوله و من حوله، ومن الطبيعي أيضا أن يزداد إهتمامه بجاره
-   أنا أعلم هذا جيدًا، والقراءة بالنسبة لي هي الشيء الوحيد الذي يسليني، ومع ذلك فأنا لا أعتبر رحلة السفر بالقطار مملة بل على العكس هي بالنسبة لي  ممتعة جدًا، و لذلك فسفري بالقطار هو المفضل عندي
-       ولكن أليس سفرك وحدك هذه المسافة الطويلة قد يعرضك للمضايقات
-   لا أعتقد ذلك فالسفر بالقطار أمن ، و قد ألح علي والدي أن أسافر بسيارتي وأن  يقودها لي السائق، ولكني رفضت، فأنا أعشق البساطة
-       أجل، و هذا واضح على ملبسك و على مظهرك فالبساطة هي قمة الأناقة
-       أعلم هذا و ذلك مع كوني الأبنة الوحيدة لرجل ثري جدًا
-   إن لبساطتك في الحديث لشيء أجمل يا أنستي
- التكبر ليس من صفاتي، فأنا أحب الناس لأنني وحيدة أبي الذي يغمرني بحبه، فأنا وحيدته، و لحرماني من أمي في سن مبكرة مما جعله لا يبخل علي بأي شيء من حب أو مال أو رعاية
-   انكِ فعلًا سعيدة الحظ أن تتمتعين بأشياء لا ينالها أمثالك من طبقتي المتوسطة الذين يلهثون وراء كل متطلبات الحياة و لا يجدوها
-   صدقني لو قلت لك أنني كنت أفضل هذه الحياة بدلا من حياتي هذه التي لا معني لها ولا قيمة، كُنت أتمنى لو انني أتعب و أنال ثمار تعبي ، أستقل الأتوبيس بدلًا من  سيارتي، آكل الفول و الطعمية كل يوم ، أنتظر أول كل شهر لآسدد التزاماتي ،أفرح  بالملبس الجديد الذي أشتريه من الحين إلى الأخر .
-       لا يوجد على الأرض من يرضى بحاله .
 وإنتهت رحلة القطار و هم على ما هم عليه من ضيقها من حياتها المترفة وذكرها لمظاهر ثرائها، و من دهشته من موقفها و حسده لها على ما تعتقد إنه مثير للشكوى
 إلا أن وصل القطار إلى النهاية، مثله مثل أي شيء في الحياة له بداية ونهاية.
 نزل كل منهما مع ركاب القطار وودع كل منهما الأخر، وخرجا من مبنى السكة الحديد 
 وإذا بعربة أنيقة لها سائق لا يقل أناقة تنتظرها، و تنطلق من العربة طفلة جميلة في السادسة من عمرها و تجري في أتجاه الفتاة :
- "دادة مُنى" لقد طلبت من عم محمود أن يأتي بي إلى هنا لنأخذك حتى تحضري حفلة عيد ميلادي
وهُنا تلعثمت الفتاة ودارت بها الدنيا و شعرت بشعور من ظل يبني بيتًا في الرمال و يزينه و صور له خياله بأنه بيتًا حقيقيًا ثم فجأة تأتي عاصفة تهدم بيته و تذري بذرات الرمال في عينيه وعين من حوله ،
 ثم أتجهت بنظرها إلى الشاب الذى وقف مندهشًا مذهولًا، لا يدري ماذا يقول، فبادرته الفتاة
-   لا تندهش يا عزيزي أنا فعلًا مربية هذه الطفلة ، فأنا فتاة فقيرة جدًا حاصلة على مؤهل  جامعي، و أعمل مربية لهذه الطفلة و أعيش حياتي بصعوبة تفوق صعوبة  الحياة التي يعيشها أبناء طبقتك، و عملي لدى أسرة ثرية وأن كان قد ساعدني قليلًا إلا أنه لم يغيرمن كوني فقيرة
- و لكنكِ قلتِ لي ...  
-   أعلم ما قلته لك، ولكنها ليست الحقيقة، وإنما أحلامي؛ فأنا أبنة مع تسعة من الأخوات، وأبي فقير، ولكنني حلمت بأن أكون وحيدة أب ثري. ولكن قل لي ماذا يضيرك لو أنني أخبرتك بأني فتاة مرفهة مع إنني إنسانة تعسة ؟
-       إنه كذب!
-   لا، إنه حلم! أردت أن أحققه على أرض الواقع، أن أعيشه و لو لساعات قليلة ثم أعود مرة أخرى لحياة الفقر. أكثيرًا على من عاش عمره كله في تعاسة أن يعيش قليلًا  من السعادة ولو كذب ؟
ثم ابتسمت مُنى أبتسامة باهتة وقالت: 
-       شكرًا لك، لأنك تركتني أحلم.
ومضى كل منهما في طريقه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أم أحمد

فات الآوان

من روائع صلاح جاهين