عشق الوهم


عشق الوهم

أزاحت خصلة من شعرها الأسود قد سقطت على عينيها، ونظرت بأعجاب إلى القمر وقد توسط كبد السماء، ما أجمل المساء!! وما أجمل نسماته!! تعشق هناء السهر وحيدة وهي تطل من شرفتها على الفضاء الرحب، وسماؤه الزرقاء ونجومها المتناثرة كحبات اللؤلؤ، حالمة هي كعادتها، دائمًا ما يأخذها الحنين إلى هذه الشرفة، بعيدًا عن زوجها و أولادها، هب النسيم عليلًا فمر طيفه أمامها، أخرجها صوت زوجها من شرودها،
-          ماذا تفعلين في الشرفة في هذا الوقت يا هناء؟
-          لا شيء، سأدخل حالًا.
-          فلتنامي حتى تستيقظي مبكرًا،
ثم عاد ليكمل نومه.
أنتابها شعورًا بالضيق وهي تحدث نفسها: "حتى الأوقات القصيرة التي أعيشها مع نفسي لا أهنأ بها".
لم تحفل هناء بكلام زوجها وعادت إلى أحلامها وأستدعت صورته من خيالها لكي تهنأ بلحظات من عشقه، لم تكن صورة محمود تفارق خيالها ، ولا تعلم كيف بقيت صورته وحبه في قلبها كل هذه السنين؟!! ولاكيف بقيت جذوة عشقه مشتعلة كل هذه السنين؟!
كانت نظراته تلاحقها أينما ذهبت، منذ كانت في دراستها الثانوية حتى تخرجت من جامعتها، وكانت لا تكف عن ترقبه من وراء نافذة حجرتها المطلة على حجرتِه، حتى أصبح محمود ملء كيانها.
وعجبت كل العجب من عدم بوحه بحبه لها، حتى بعدما أخبرته بشأن الرجل الذي تقدم لخطبتها، هنأها، و لكنها رأت حزن في عينيه.
لماذا لم يفعل شيء؟ عشر سنوات زواج و هو لا يغيب عن خيالها ، أن طيفه يلاحقها في يومها في نومها في أحلامها .
تحلم بأن تقابله وتسأله، لماذا لم يصارحها بحبه ؟ و لماذا تركها تتزوج غيره ؟
قلبي يحدثني أنه مازال يحبني، هكذا حدثت هناء نفسها ثم أسلمت نفسها للنوم قريرة العين تحلم بحبها الوحيد.
في الصباح بدأ يومًا جديدًا من أيام هناء، ذهبت إلى عملها سيراَ على قدميها، كانت الأمتار القليلة التي تبعد عملها عن بيتها هي فرصة أخرى لتسرح بخيالها في محمود ، كل يوم تحلم بانها تراه أمامها وترى مدى سعادته برؤيتها، ويسألها عن حياتها و يبدي ندمه لأنه تركها ولم يتمسك بها، و تتخيل أشياء كثيرة وحوارات أكثر وتسعد بهذه الخيالات و تشعر بالرضا و الأرتواء إلى أن تجد نفسها وصلت إلى عملها .
سارت هناء في طريق كل يوم تحدث نفسها " في وسط هذا العالم هو موجود في مكان ما، ترى أين هذا المكان ؟ ماذا أفعل لو رأيته الأن؟ عن ماذا نتكلم؟ هل تغير شكله؟ أشعر أنه ينتظرني في مكان ما، أشعر أنه مازال يحبني ." 
بعد عملها ذهبت هناء إلى زيارة أمها.
كان الطريق إلى بيت أمها كما هو يذكرها بالأيام الخوالي ، هذا بيتهم وهذا بيت محمود، وهنا وقفت هناء فجأة مذهولة لا تصدق عينيها أنه هو أنه محمود، ترى هذا حُلم أم حقيقة، وظلت تنظر إليه في ذهول إلى أن أنتبهت على صوته،
-  مدام هناء كيف حالك ؟ أنا سعيد برؤيتك.
قالت هناء لنفسها أنني اراه حقا ، "هذا ليس حُلما"
-  محمود لا أصدق عيني!! متى رجعت من السفر؟
كانت الكلمات تتراقص بين شفتيها من الفرح.
-          منذ يومين، تعبت من الغربة، أريد أن يعيش أبنائى في وطنهم.
شعرت هناء بدوار ورددت بتلعثم
-          أبنائك ؟! هل تزوجت؟
-          تزوجت في الغربة من زميلة لي في العمل .
شعرت هناء بأن الأرض تدور بها وتقذف بها في كل الأتجاهات ولم تعد تسمع أي صوت حولها، ولا صوت محمود الذي كان يحدثها وهي لا تسمعه، أنها لا تصدق، هل كان وهمًا؟ حب محمود لها وهمًا ؟ كانت تخدع نفسها طيلة هذه السنين .
في الصباح قامت هناء من نومها وفعلت ما تفعله كل يوم، ثم ذهبت إلى عملها وسارت في نفس الطريق ولكنها اليوم لم تشعر بنفس السعادة التي أعتادتها في نفس الطريق، شيئا ما فقدته .



* . * . * . *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أم أحمد

فات الآوان

من روائع صلاح جاهين