وثيقة طلاق



وثيقة طلاق



ازدحمت قاعة المحكمة بالبشر، الهواء أصبح شحيحًا لا يكفي الحاضرين، أختلطت الأصوات و زادت الهمهمات، حتى لا تكاد تميز الكلمات، الوجوه مكفهرة ظهرعلى قسماتها القلق و الترقب، المحامون بأروابهم السوداء في كل مكان،  منهم من يراجع أوراقه و منهم من يتحدث إلى موكله، الجميع ينتظر بترقب النداء الشهير للحاجب "محكمة "ليعلن قدوم القضاة،
صاحب الحق ينتظر العدل من قاضى الأرض، ولكن العدل تأخر بتأخر القضاة، فطال الأنتظار وزاد الوجوم على الوجوه.
وفي أحد أركان المحكمة وقف رجل في الأربعين من عمره، وسيم الطلعة أنيق الملبس بدا على وجهه الهدوء بخلاف باقي الحاضرين، كان يقف وحيدًا يختلس النظر إلى امرأة في ركن آخر، كانت المرأة في الثلاثين من عمرها، متواضعة الجمال، تتحدث إلى محاميها في ضيق وقلق وقد أربكتها نظرات الرجل لها وقابلتها بنظرات مضطربة، فهي لا تجرؤ على النظر إليه .
عاد الرجل مرة أخرى إلى أختلاس النظر إلى نفس المرأة وهو يحدث نفسه، كيف أنتهت بهما الحياة إلى هنا ؟
تذكر يوم أتت إليه وبشرته بحملها الأول، تذكر يوم أنتقالهم لمنزلهم الجديد، تذكر يوم مرضت مرضًا خطيرًا و كيف بقى بجانبها حتى شفيت، تذكر كيف كانت له هي وأبناؤه الدنيا بأسرها، و تذكر يوم أتت إليه مطأطأة الرأس زائغة العينين.
-          أريد أن أحادثك في أمر هام
-          تفضلي،  لماذا انتِ مضطربة هكذا ؟.
-          أريد.. أريدك أن تطلقني.
لم يصدق ما سمعه.
-          ماذا تقولين ؟ أتمزحين ؟.
-          لا، أريد الطلاق، حياتنا أصبحت مستحيلة.
-          لماذا؟ حياتنا سعيدة، الجميع يحسدوننا على هذه الحياة وعلى أولادنا وتفوقهم .
-          ولكننى..  
 أنتابتها نوبة من البكاء وهو صامت لا يتكلم من هول ما سمعه، كفكفت دموعها وحاولت أن تتمالك نفسها
-          كيف لم تلاحظ أنني تغيرت في الأونة الأخيرة ؟
-          كنت أبرر ذلك بأنكِ متعبة من العمل .. ،من الأولاد .. ، من أى شئ، أى شئ إلا أنا
عادت مرة أخرى للبكاء
-          أرجوك تفهم موقفي ، لقد أحببت زميلاً لي في العمل ولا أستطيع أن أكمل حياتى معك
كاد أن يغشى عليه من الصدمة، وأخذ يتمتم بكلمات ترتعش بين شفتيه
-          ماذا تقولين ؟
-          كان من الممكن أن أخونك وأحتفظ بك وببيتى وبأولادي ولكنني لست خائنة، الطلاق أفضل من الخيانة
-          وأنا، أين أنا من كل ذلك؟ أصبحت لا شيء بالنسبة لكِ؟!  أين حبك لي؟! كل شيء أنتهى؟!!!
-    أرجوك تفهم الموقف، طلقني وابدأ حياتك من جديد مع أخرى قد تكون أفضل مني ودعني أعيش حياتي كما أريد، وأترك لي أولادي أربيهم.
-    أولادك!!! أنهم أولادي، كيف يربيهم رجلًا أخر؟ أنتِ تحلمين، لن أطلقك ولن أتركك ترقصين على جثتي مع هذا الحبيب .
-          سألجأ إلى المحكمة وسأطلب تطليقي، تخيل نفسك، رجلًا لا تريده زوجته وتحب غيره وهو يريدها، أين كرامتك ؟
عاد الرجل من ذكرياته سريعًا عندما دوى صوت الحاجب قويًا "محكمة"
الهدوء ساد المكان والكل أسترق السمع إلى صوت الحاجب وهو ينادى الأسماء، جاء دور الرجل ، وقف أمام القاضى، وقف محامي زوجته ليطالب بتطليقها خلعًا.
نظر القاضى إلى الرجل
-          طلباتك، أتريد التأجيل لتُحضر محاميًا؟
نظر الرجل إلى زوجته ثم نظر إلى القاضي و قدم له ورقة، قرأ القاضى الورقة.
-          لم يعد هناك داعِ للتأجيل
"أنها وثيقة طلاق المرأة"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أم أحمد

فات الآوان

من روائع صلاح جاهين