الشيخ محروس



الشيخ محروس




سارت بخطوات متثاقلة تجر قدميها لا تعلم هل تكمل السير أم تعود من حيث أتت! لم تكن تتخيل يومًا أن تقدم على هذا الفعل وهي من هي؛ طبيبة مثقفة تخشى ربها، ولكنها الآن تقف على عتبات الشيخ محروس طلبًا لمعونته.
انزلقت قدماها وكادت أن تسقط أرضًا فأسرعت رفيقتها في السير وأمسكت بذراعها, فهي لم تعتد السير في مثل هذه الحواري الضيقة المليئة بالطوب والحصى وما هو أكثر.
- خلي بالك يا دكتورة الأرض هنا مش زي عندكم.
- فتحية، أنا مش عارفة إزاي سمعت كلامك وجيت هنا.
هل هي حقًا تجهل كيف استجابت لكلمات خادمتها؟ هل هي بالفعل نادمة؟
لا، لقد أتت برغبتها، أتت بعجزها أملًا في أن تجد بصيصًا من نور بعد أن ضاقت بها الدنيا وضنت عليها، لا شيء يدعوها للتراجع، أبدًا لن تتوقف, كلمات زوجها وانتظاره، لهفته على كل طفل يراه، كل هذا يدفعها دفعًا لهذا الطريق، تلميحات الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل عن هذا الذي تأخر وصوله، ترى في أعينهم نفس السؤال، من السبب في التأخير؟ لماذا يستمر زواج عشر سنوات بدون ثمار؟ سئمت نظراتهم وتساؤلهم وتعاطفهم كذلك.
الأن تذهب للشيخ محروس ربما تجد عنده ما لم تجده عند الطب والأطباء.
أسرعت في خطاها، تريد أن تنهي هذه المهمة بأسرع وقت، كادت أن تسقط مرة أخرى ولكنها أسرعت وأسندت يدها إلى حائط منزل. الأطفال ينظرون إليها ويضحكون فتشعر بالحرج والسخط على هؤلاء الأطفال وعلى كل القانطين في هذا المكان، هؤلاء البشر كيف يعيشون في هذا المكان القذر؟! نظرت إلى الاطفال بملابسهم الرثة ووجوههم الشاحبة ولكنها... بريئة.
-    آه ياربي! أشتاق لجنين في أحشائي، لطفلًا يُشبع أمومتي ويملأنى بالحياة، أبدأ معه حياة جديدة نخطوها معًا خطوة بخطوة، ما أجمل أن تحيا حياتك مرة أخري!
جاءها صوت فتحية قاطعًا عليها شرودها
- خلاص قربنا يا دكتورة.  
"يارب ساعدني" هكذا قالتها بكل خلجاتها، ثم انتبهت، ماذا تطلب من الله؟ أن يساعدها أم أن يساعد الشيخ محروس في مساعدتها؟! تذكرت أماني صديقتها عندما صرخت في وجهها: "تلجئين لدجال لتنجبي؟ تشركين بالله؟ لماذا اللجوء لغيره لتحقيق ما لا يقدر عليه سواه؟"، فردت في نفسها: "لأ أنا لم أشرك بالله".
شعرت بأنها تسقط في هوة سحيقة، تتلقفها الشياطين، يبثون في أذنيها مئات الحجج الواهية لفعلتها هذه.
-خلاص يا دكتورة هو ده البيت.
انتبهت مرة أخرى من شرودها، الآن وقت الدخول؛ وقت اللجوء لمحروس وعفاريته من الجن وأعماله، دقات قلبها تتعالى حتى تكاد أن تصم أذنيها.
أمسكت وكلها ترتعش يد فتحية قبل أن تطرق الباب.  
- لا يا فتحية، يلا نرجع.
- ليه يا دكتورة؟! ده هو ده اللي في إيده الشفا، ده مخاوي وهو واللي معاه هيساعدوكِ.  
تسمرت مكانها تحاول جاهدة أن تخرج من الهوة السحيقة. شعرت بالسكينة تغشاها، حاولت أن تمنع دمعة في عينيها أبت إلا أن تسقط
- لأ، هستعين بالله.

















 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أم أحمد

فات الآوان

من روائع صلاح جاهين